هذا بحث من مجهودي كامل بمعلومات ربما لأول مره قد تعرفونها في الزنا يارب يفيدكم

ملتقى الإيمان




عقوبــــــــــة الزنــــــــــا فـــــي التشريــــــــــع الإسلامـــــــي

















بسم الله الرحمن الرحيم

















مختارات من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة

1- قال تعالى : ((وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا))


2- قال تعالى : ((إِن تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلا كَرِيماً))]سورة النساء الآية 31]


3- قال تعالى : ((وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَءآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي ءآتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ))]سورة النور الآية 33]


4- قال تعالى : ((قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِن أبْصَارِهِم وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ))]سورة النور الآية 30]

5- قال تعالى : ((ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا))

6- حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت ((ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط حتى تنتهك حرمات الله فينتقم لله ))

7- حدثنا محمد بن سلام أخبرنا عبد الله عن عبيد الله بن عمر عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل ذكر الله في خلاء ففاضت عيناه ورجل قلبه معلق في المسجد ورجلان تحابا في الله ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها قال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه))








مقدمة

إن الحمد لله , نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , ولن تجد له من دون الله ولياً مرشداً.

ونصلي ونسلم على رسول الرحمة المهداة والنعمة المسداة للبشرية جمعاء , حكم فعدل وحارب الظلم والظالمين . أقام الحدود والقصاص والتعازير بالقسط والعدل , ورضي الله عن صحابته أجمعين الذين استجابوا لله وللرسول حين دعاهم لما يحييهم , فأحياهم وجعلهم قادة مهديين , هدى الله على أيديهم العرب والعجم وحطم على أيديهم الكيانات السياسية الظالمة . قال تعالى : (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ۚ).

من المسائل المطروحة في ضوء الشريعة الإسلامية، مسائل الجنايات التي ظهرت في العصور الماضية والحاضرة , وهي مسائل لابد فيها من بحث واضح يجلي ما ينبني عليها من أحكام , خاصة وقد وجدت في العصر الحديث أنواع جديدة، ووقعت نوازل خطيرة من الجنايات الحديثة.

ومن هنا تأتي أهمية البحث في مثل هذه المواضيع ولكن هنا سنقتصر على البحث في موضوع واحد قد تكررت فيه البحوث والرسائل والمؤلفات وهو الزنا فمن المشاهد المعروف أن الزنا من الجرائم الأخذة في الانتشار ، حتى إنها اقتربت من توصيفها كظاهرة أخذت تتفشى في مجتمعنا ، الذي كان يوصف يوما بأنه مجتمع محافظ تقل فيه هذه الأشياء وينظر لفاعلها نظرة المغضب ، ونظرا إلى أن الزنا يؤدى إلى جرائم أخرى ، مثل جرائم الشرف وهى قتل الفاعل ، كما انه يؤدى إلى اختلاط الأنساب ،وتفكك المجتمع ،وانحلاله وضعف الرابطة الأسرية ، لذلك وجب أن يكون له التوصيف المناسب في القانون والعقوبة الرادعة ، التي تحد من انتشار مثل هذه الجرائم .
ولذلك فإن من أهمية البحث في هذا الموضوع هو استشعار الكرامة الإنسانية والعقل الذي ميز الله به الإنسان عن سائر المخلوقات الحية . قال تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ).

وقد قمت بتقسيم هذا البحث إلى ستة فصول يندرج تحت كل فصل مباحث متخصصة في اتجاه معين عن موضوع البحث وقد يندرج تحت بعض هذه المباحث متطلبات لزيادة الإيضاح وعموم الفائدة.














الفصل الأول
تعريف الزنا وحكمه


المبحث الأول : تعريف الزنا في اللغة والاصطلاح.

المبحث الثاني : حكم الشرع في الزنا.

المبحث الثالث : سلبيات الزنا وأضراره.

المبحث الرابع : الإسلام حرم الزنا ودواعيه.

المبحث الخامس : تدرج عقوبة الزنا.

المبحث السادس : شروط وجوب حد الزنا.















تعريف حد الزنا :
اصطلاح حد الزنا مكون من كلمتين الأولى حد والثانية زنا أما الحد فهو عقوبة مقدرة من الله تبارك وتعالى لا يملك حاكم أو غيره الإنقاص من هذه العقوبة أو الزيادة عليها أو العفو عنها .
وأما الزنا فقد ورد بعدة معان.
فقيل العين تزني وزناه النظر .
وقيل الفم يزني وزناه القبلة .
وقيل البد تزني وزناها البطش .
وقيل الرجل تزني وزناها المشي .
الزنا أيضا يأتي بمعنى الجماع المحرم مع غير الزوجة وملك اليمين وهذا هو المعنى المتبادر للذهن .
حكم الشرع في الزنا :
لقد وردت نصوص في الكتاب والسنة تحرم الزنا تحريما قاطعا .
من كتاب الله :
أ- قال تعالى : ( وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ).
فالآية نهت عن الاقتراب منه وعدته فاحشة وطريقا مستقبحا ومذموما في قضاء الشهوة الجنسية , فحرمته تحريما واضحا ونفرت كل من عنده أثارة من دين أن يقع فيه أو ان يقترب منه .

ب- وقال تعالى : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ).
فالآية نصت على عقوبة الزانية والزاني بجلد كل منهما مائة , وهذه العقوبة تدل على تحريم الزنا , لأن الشرع لا يعاقب إلا على فعل المحرمات أو ترك الواجبات.
ومما يجدر ذكره أن الآية قدمت الزانية المرأة على الرجل , لأن الزنا في الغالب يفشو في النساء أقول بل هي الوسيلة التي تغري الرجل للوقوع بها وارتكاب الفاحشة فإن زجرته انزجر وإن أغرته وقع في الضرر والهلاك والإغراء فتهيج وسقط في حمأة الفاحشة .

ج- وقال تعالى : ( وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا "15" وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا"16").
فالآية الأولى نصت على عقوبة الزانيات من النساء بالحبس حتى الموت أو حتى تأتي عقوبة أخرى ترفع حكم الحبس المؤبد , والآية الثانية أوجبت إيذاء الزناة من الرجال وهذه العقوبة لا تكونه إلا على فعل محرم وهو الزنا , والفاحشة المقصودة هنا هي فاحشة الزنا وسبب وصف الزنا بالفاحشة ; لفحشه وقبحه وما يترتب عليه من آثار تهدم الأسرة والمجتمع وتختلط به الأنساب وغير ذلك من السلبيات.
من السنة :
أ- روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ".
لقد نفى الحديث الإيمان عن الزاني حين يزاول هذه الفاحشة , وهذا يدل على تحريم قاطع وانخرام الإيمان في مرتكبها إن لم يتب توبة نصوحا.

ب- وروى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه بإسناده إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : " قلت يا رسول الله : أي الذنب أعظم .
قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك .
قلت : ثم أي ؟
قال : أن تقتل ولدك من أجل أن يطعم معك.
قلت : ثم أي ؟
قال : أن تزاني حليلة جارك " .
فهذا الحديث عن الزنا وبخاصة في زوجة الجار من أعظم الذنوب عند الله عز وجل وأكبرها , بل جاء في بعض ألفاظ الحديث عن الأعمش : أي الذنوب أكبر عند الله , وفي رواية الأعمش عند أحمد وغيره : أي الذنب أكبر؟ وفي رواية الحسن بن عبيد الله ابن أبي وائل أكبر الكبائر.

ج-روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله علي وسلم : " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم , قال أبو معاوية : ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم , شيخ زان , وملك كذاب , وعائل مستكبر".
فالحديث كما ترى يحرم هؤلاء الثلاثة وفي مقدمتهم الزاني وبخاصة إذا كان شيخا من نظرة الله إليهم يوم القيامة ويتوعدهم بعذاب أليم .







سلبيات الزنا :
أ- الضرر الأخروي : إن أهم هذه السلبيات والأضرار هو الضرر الإيماني والأخروي إذ الزنا يفقد الزاني الإيمان ويدخله النيران ويحرمه من الجنان عند الواحد الديان , أعاذنا الله منه ومن الزناة الفاجرين .

ب- العزوف عن الزواج : إن مما لاشك فيه أن الرجل إذا أتيح له أن يصرف شهوته بهذا الطريق المحرم دون تكاليف مادية وكذلك المرأة فإن كل واحد منهما يعزف عن الزواج لأن الزواج مسؤولية تترتب عليه حقوق وواجبات .

ج- الزنا يهدم الأسرة ويقوض أركانها : إن الرجل والمرأة إذا تسنى لهما أن يقضيا شهوتيهما دون ارتباط في عقود والتزامات فإن ذلك يؤدي إلى إضعاف الرغبة في بناء الأسرة المسلمة الملتزمة العفيفة , ومن ثم هدم هذه الأسرة وتقويضها وتناقصها بدل بناء الأسر وزيادتها .

د- الزنا يؤدي إلى اختلاط الأنساب : إن مما لا شك فيه أن الإسلام شرع الزواج للمحافظة على الأنساب وما يترتب على ذلك من حقوق للأصول والفروع والأقارب من صلة الأرحام والوراثة والوصية وغير ذلك , والزنا هو الاتصال المحرم خلسة وخفية من شأنه يؤدي إلى حمل الزانية , والزاني سيتخلى عن ولده من الزنا , وربما نسب الولد إلى زوج الزانية إن كانت متزوجة فينسب إلى غير أبيه , ويترتب على ذلك أن يكون أولاد الزوج ذكورا وإناثا إخوانه وأخواته وهو أجنبي , فيرث معهم ويطلع على عوراتهم , ويتبع ذلك فساد ما بعده فساد .

هـ- الزنا يؤدي إلى الإجهاض : إن المرأة إذا وجدت نفسها حاملا سيضيق ذرعها بما في بطنها من جنين , وبخاصة إذا كانت بكرا أو متزوجة غاب عنها زوجها ولم يتصل بها منذ سنوات وقد يحملها ذلك إلى قتل هذا الجنين وإسقاطه , وهذا حرام شرعا , لأنه اعتداء على حياة مخلوق بريء .

و- الزنا يؤدي إلى شيوع الأمراض في الناس : وهذه الأمراض معدية كالزهري والسيلان وغيرها .

ز- الزنا يفقد الثقة بين الناس ويؤدي إلى التهارح والتقاتل وسفك الدماء : ذلك لأن الإنسان وبخاصة المسلم خلقه الله يغار على عرضه , فالغيرة من الإيمان والغيرة تعني البطش بمن يعتدي على عرضه بالزنا والبطش بالنساء اللواتي يتصلن بنسبه إذا وقعت إحداهن في الفاحشة , وهذا كما ترى يفقد الأمن في المجتمع والدولة , بل يدمر المجتمع ويقوض أركانه فبدل أن يكون مجتمعا متماسكا متوادا متراحما يتحول إلى مجتمع متباغض متنافر متنازع والله يقول : (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ).

ح- الزنا يفضح صاحبه عند الناس وينفرهم منه : فالناس إن علموا بزناه نظروا إليه بأنه خائن لله وخائن لدينه , وهذا الخائن لله ولدينه ينبذه الله ولا يصاهرونه , ولا يزوجونه بناتهم كما لا يتزوجون منه .

ط- الزنا يؤدي إلى اضطراب نفسي عند الزاني : فالقلق وعدم الاستقرار في حياته الذي يولده الزنا يجعله معذبا دائم العذاب ويفقد صاحبه الاطمئنان والسكن النفسي وتنتابه الحيرة والارتباك فلا هو إلى قرار ولا هو إلى استقرار .

ي- الزنا يجمع خلال الشر كله : من قلة الدين , وذهاب الورع وفساد المروءة وقلة الغيرة , فلا تجد زانيا معه ورع ولا وفاء بعهد ولا صدق في حديث , ولا محافظة على صديق ولا غيرة تامة على أهله , فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم , وذهاب الغيرة من القلب من شعبه وموجباته , ومن موجباته غضب الرب بإفساد حرمه وعياله , ولو تعرض رجل إلى ملك من الملوك بذلك لقابله أسوأ مقابلة ومنها : سواد الوجه وظلمته وما يعلوه من الكآبة والمقت لذي يبدو عليه للناظرين , ومنها ظلمت القلب وطمس نوره , ومنها الفقر اللازم , ومنها أنه يذهب حرمة فاعله ويسقطه من عين ربه وأعين عباده , ومنها أنه يسلبه أحسن الأسماء وهي العفة والبر والعدالة ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق والزاني والخائن , ومنها الوحشة التي يصنعها الله سبحانه وتعالى في قلب الزاني , ومنها قلة الهيبة التي تنزع من صدور أهله وأصحابه وغيرهم له وهو أحقر شيء في نفوسهم وعيونهم , ومنها أن الناس ينظرون إليه بعين الخيانة فلا يأمنه أحد على حرماته ولا على ولده , ومنها الرائحة التي تفوح عليه يشمها كل ذي قلب مسلم , ومنها ضيقة الصدر وحرجه , ومنها أن الزنا يجرئه على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وكسب الحرام وظلم الخلق وإضاعة أهله وعياله وربما قاد إلى سفك الدم الحرام .

قال ابن القيم رحمه الله :} ويكفي في قبح الزنا , أن الله سبحانه وتعالى , مع كمال رحمته شرع فيه أفحش القتلات وأصعبها وأفضحها , وأمر أن يشهد عباده المؤمنون تعذيب فاعله , ومن قبحه أن الله سبحانه وتعالى فطر عليه بعض الحيوان البهيم الذي لا عقل له , كما ذكر البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون الأودي قال : رأيت في الجاهلية قردا زنا بقردة , فاجتمع عليهما القرود فرجموهما حتى مات وكنت فيمن رجمهما { .

الإسلام حرم الزنا ودواعيه :
إن النصوص من الكتاب والسنة قد حرمت الزن وحرمت دواعيه , لقد أمرت المؤمنين والمؤمنات بغض النظر , قال تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ) وقال تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ) وحرم الإسلام على الرجل أن ينظر المرأة ويتابع النظرة , لأن النظرة بريد الزنا فالنظرة يتبعها ابتسامة والابتسامة يتبعها موعد وتواعد , ثم لقاء وخلوة تنتهي إلى فاحشة .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يخلون أحدكم بإمراة فإن الشيطان ثالثهما , ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله : أفرأيت الحمو , قال : الحمو الموت " .
والمراد بالحمو أقارب الزوج من غير أصوله وفرعه والمعنى احذروا دخول هؤلاء الأقارب على النساء , وهذا يقتضي تحريم الخلوة ومنعها عل هؤلاء الأقارب والأجانب , وقد جرت العادة بين الناس قديما وحديثا أن يتساهلوا في ذلك دون نكير منهم أو من الناس والجيران والأقارب , وهذا التساهل يؤدي إلى الخلوة ثم الزنا وهو الهلاك والموت وبخاصة إذا كانت متزوجة فعقوبتها لرجم وكذلك الرجل المتزوج.
وإضافة إلى النظر باعتباره بريد الزنا فقد حرم الإسلام زنا الفم وزنا اليدين وزنا العينين وزنا الرجلين فهذه عبارة عن زنا مجازي يؤدي إلى الزنا الحقيقي الذي يستوجب الحد.
وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم زنا العينين وزنا هذه الجوارح فقال فزنا العينين النظر , وزنا اليدين البطش , وزنا الرجلين المشي , وزنا الفم القبل , ثم قال : والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك أو يكذبه الفرج.
تدرج عقوبة الزنا:
إن المتتبع لتاريخ التشريع الإسلامي يجد أن عقوبة الزاني كانت متدرجة بدأت بقوله تعالى : ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً"15"وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً"16" ).
لقد فادت الآيتان ما يلي :
ــ إن عقوبة المرأة المسلمة إذا زنت وثبت عليها بشهادة أربعة شهود أن تحبس في البيت حتى تموت أو أن يأتي حكم آخر غير الحبس في البيوت.

ــ والرجال إذا ارتكبوا جريمة الزنا تختلف عقوبتهم عن عقوبة النساء , وعقوبتهم أن يؤذوا , والأذى هنا هو التأنيب والتقريع والتعيير والجفاء والضرب.
ثم أصبح حكم المرأة الزانية من الحبس إلى الرجم إن كانت محصنة والجلد والتغريب إن كانت غير محصنة , فقد روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه بإسناده إلى عبادة بن صامت رضي الله عنه قال :} فأنزل عليه ذات يوم فلقي كذلك , فلما سرى عنه قال : خذوا عني فقد جعل الله لهن سبيلا , الثيب بالثيب والبكر بالبكر , الثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة , والبكر جلد مائة ثم نفي سنة{.
ثم نزلت آية النور التي تذكر عقوبة الزاني والزانية البكرين جلد مائة , قال تعالى : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ) .
ثم استقر الأمر على رجم الزاني المحصن وجلد مائة الزاني غير المحصن , أما النفي مع الجلد فقد وقع فيه الخلاف بين الفقهاء , وقد ثبت الرجم بالسنة القولية والفعلية , روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه بإسناده إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : قال عمر ابن الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم : } إن الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب , فكان مما أنزل عليه آية الرجم , قرأناها ووعيناها وعقلناها , فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده , فأخشى إنطال بالناس زمان أن يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة انزلها الله وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف {.
شروط وجوب حد الزنا :
هناك شروط اعتبرها الشارع لوجوب حد الزنا , سواء كان الحد الجلد أو الرجم وهي :
1- أن تثبت جريمة الزنا بحقه بالإقرار أو الاعتراف .

2- التكليف : أن يكون بالغا عاقلا ,فلو ارتكب الزنا وهو مجنون أو صغير فلا يحد .

3- الحرية : فيشترط في إقامة حد الرجم أو الجلد أن يكون حرا لأن عقوبة الرجم لا تجب على العبد والأمة , كما أنهما لا يجلدان مائة , وعليهما نصف ما على الأحرار من الجلد دون الرجم لأن الرجم لا يجزأ , لقوله تعالى : ( فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ).

4- الاختيار : أن يقع منه الزنا باختياره دون إكراه من أحد عليه لأن الإكراه عذر يسقط العقوبة والإثم , فعن صفية بنت أبي عبيد } أن عبدا من رقيق الإمارة وقع على وليدة من الخمس فاستكرهها حتى احتضنها فجلده عمر الحد ونفاه ولم يجلد الوليدة من أجل أنه استكرهها{ . وبوب له البخاري في الإكراه فقال : } إذا استكرهت المرأة على الزنا فلا حد عليها {.

5- أن يكون الزاني عالما بحرمة الزنا , ولا يشترط أن يكون عالما بالحد سواء أكان جلد مائة أم رجما بالحجارة .

6- أن يكون محصنا إذا كانت العقوبة الرجم , ويقصد بالإحصان أن يكون متزوجا قد جامع زوجه .

7- الإسلام : وهي مسألة مختلف فيها , فمن الفقهاء من اشترط الإسلام في إقامة الحد إذا توافرت فيه شروط وجوب حد الزنا الأخرى , ومنهم من رأى أنه ليس شرطا , وعليه فإن غير المسلم إذا زنا يعاقب بالحد على قول من رأى أن الإسلام ليس بشرط في إقامة الحد والمسلم وحده هو الذي يقام عليه حد الزنا , قال بهذا مالك وأحمد والذين اشترطوا الإسلام استندوا إلى قول رسول الله صلى الله علي وسلم لحذيفة بن اليمان حين أراد أن يتزوج يهودية : " دعها فإنها لا تحصنك ", فالإسلام ليبس شرطا في إقامة الحد وهذا قول عند أبي يوسف الشافعي.
وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهوديين الزانيين , ولو كان الإسلام شرطا في الإحصان وإقامة الحد ما رجم اليهوديين واحتجوا بعموم قوله : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ).
وعموما فإن الرأي الراجح عندنا هو أن حد الزنا يطبق على المسلم وغير المسلم لعموم النصوص الواردة في الكتاب والسنة .







































الفصل الثاني
في عقوبة الزاني البكر


المبحث الأول : عقوبة الجلد.

المبحث الثاني : عقوبة التغريب للرجل.

المطلب الأول : القائلون بتغريب الرجل وأدلتهم.

المطلب الثاني : المانعون من تغريب الرجل وأدلتهم.

المبحث الثالث : تغريب المرأة.


















عقوبة الجلد :
لقد أجمع الفقهاء على أن عقوبة الزاني البكر أي غير المحصن سواء كان ذكرا أم أنثى يجلد مائة جلده , لقوله تعالى : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ).
لقد جاءت هذه الآية الكريمة وغيرها من النصوص توجب جلد الزاني والزانية إذا كانا بكرين مائة جلدة , وحرمت على الأمير أو القاضي أو الحاكم أن يقبل الشفاعة لهؤلاء الزناة بالعفو أو إنقاص العقوبة أو تخفيف الضرب من الجلد بحيث لا يؤلم الألم المطلوب الزاجر والرادع , وجاءت السنة القولية والفعلية بوجوب جلد البكرين الزانيين مائة جلدة , فقد روى الإمام مسلم في صحيحه بإسناده إلى عبادة بن الصامت رضي الله عنه : . . . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني فقد جعل لهن الله سبيلا , الثيب بالثيب والبكر بالبكر , الثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة والبكر جلد مائة ثم نفي سنة " , وجاء في الحديث العسيف على ابنك جلد مائة وتغريب عام , وقد اختلف الفقهاء في جمع التغريب إلى جلد مائة للزاني البكر والزانية البكر إلى مذاهب وكل مذهب أو قول في المذهب أهله بأدلة سنوردها فيما بعد إن شاء الله.
تغريب الرجل :
فقد اختلفوا الفقهاء في هل يشفع الجلد تغريب ؟
والتغريب المقصود هو نفي الزاني بعد جلده مائة جلدة عن بلده الذي يقيم فيه وزنا فيه مدة سنة وإبعاده مسافة القصر إلى البلد الذي يراه الإمام أو نائبه.
وفي هذا المبحث قولان :
أولا: القائلون بتغريب الرجل الزاني وأدلتهم : يغرب الرجل لزاني عاما بالإضافة إلى جلده.
قال بهذا القول الإمام الشافعي وهو الصحيح في مذهبه , بل قالوا يسجن إن غرب وخيف هربه لإفساده , قال الرملي : كل ما خيف فساده يسجن.
وقال به المالكية وقالوا بالسجن كذلك في بلاد الغربة , حتى يذوق ذلة الغربة وقال بهذا الحنابلة وهو المعتمد في مذهبهم.
ورجح هذا القول الإمام المفسر الشنقيطي صاحب أضواء البيان.
أدلة أصحاب هذا القول واستدل القائلون بالتغريب بما يلي :
1- روى الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحيهما بإسنادهما إلى أبي هريرة رضي الله عنه وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما أنهما قالا :" إن رجلا من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله , فقال الخصم الآخر : وهو أفقه منه : نعم , فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل , قال : إن ابني كان عسيفا عند هذا , فزنا بإمرأته وإني أخبرت أن على ابني الرجم , فافتديت منه بمائة شاة ووليدة فسألت أهل العلم , فأخبروني إنما على ابني جلد مائة وتغريب عام , وأن على امرأة هذا الرجم , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله : الوليدة والغنم رد , وعلى إبنك جلد مائة وتغريب عام , واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها , قال : فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت ".

2- عن زيد بن خالد الجهني قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر فيمن زنى ولم يحصن جلد مائة وتغريب عام , ثم لم تزل تلك السنة".

3- وروى الإمام مسلم في صحيحه عن عبادة بن صامت رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" خذوا عني فقد جعل الله لهن سبيلا ....." ).

4- أفعال الخلفاء الراشدين : وقد ورد ن الخلفاء الراشدين أنهم قد جمعوا بين الجلد والتغريب فروى الإمام البيهقي في السنن الكبرى أن أبا بكر رضي الله عنه جلد الزاني البكر مائة جلدة ونفاه إلى فدك وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب وغرب وأن علي بن أبي طالب ضرب وغرب وجلد ونفى من البصرة إلى الكوفة.
وعن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال : البكران يجلدان وينفيان.

ثانيا : المانعون من تغريب الرجل وأدلتهم : وقال فريقا من الفقهاء لا يغرب الزاني مطلقا , وحدّه جلده فقط , وللإمام أو نائبه يعزّره إن رأى في ذلك مصلحة .
قال بهذا الإمام أبو حنيفة وأصحابه وهو القول المعتمد في المذهب.
وقال الكاساني في بدائعه : وهل يجمع بين الجلد والتغريب؟ اختلف فيه : قال أصحابنا لا يجمع إلا إذا رأى الإمام المصلحة في الجمع بينهما فيجمع , وقال الشافعي رحمه الله يجمع بينهما , من هذا القول فإن الحنفية لا يرون التغريب جزءا من الحد , بل يرونه من باب التعزير إذا رأى الإمام المصلحة فيه فهو مفوض له .
وجاء في أحكام القرآن للجصاص الحنفي ما مفاده : أن الحد على البكر غير المحصن الجلد مائة فقط ويجوز للإمام أن يعزر بعض الزناة بالحبس أو النفي كما يجوز حبسه حتى يحدث توبة لله تعالى من هذه الكبيرة.
قال بهذا أبو حنيفة وأصحابه الثلاثة أبو يوسف ومحمد بن الحسن وزفر بن الهذيل وقال بهذا ابن أبي ليلى والأوزاعي والثوري , وفي رواية في مذهب الحنابلة يجلد فقط ولا يغرب.
أدلة أصحاب هذا القول :
1- قال تعالى : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ) , والاستدلال بهذه الآية من وجهين :

أحدهما : أنه عز وجل أمر بجلد الزانية والزاني ولم يذكر التغريب , فمن أوجبه فقد زاد على كتاب الله والزيادة علي نسخ , ولا يجوز النسخ بخبر الواحد .

والثاني : أنه سبحانه وتعالى جعل الجلد جزاء والجزاء اسم لما تقع به الكفاية مأخوذ من الاجتزاء وهو الاكتفاء فلو أجبنا التغريب لا تقع الكفاية بالجلد وهذا خلاف النص .

2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمة :" إذا زنت فاجلدوها , فإن زنت فاجلدوها , فإن زنت فجلدوها , ثم بيعوها ولو بضفير" وجه الاستدلال أنه لو كان النفي ثابتا لذكره م الجلد والضفير الحبل .

3- قول الإمام علي رضي الله عنه كفى بالنفي فتنة : فهذا القول من الإمام علي رضي الله عنه يدل على تعريض المنفي إلى الفتنة وإلى الزنا , وعنه أيضا البكران يجلان ولا ينفيان وإن نفيهما من الفتنة .

4- قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن نفى رجلا فلحق بالروم : لا أنفي بعدها أبدا.

5- بالنسبة للتغريب في حق الأمة إما أن يكون مشروعا أو غير مشروع ولا يجوز أن يكون مشروعا لأنه يلزم منه الإضرار بالسيد من غير جناية صدرت منه .

6- أن التغريب لو كان مشروعا في حق الرجل لكان إما أن يكون مشروعا في حق المرأة أو لا يكون والثاني باطل لأن التساوي في الجناية قد وجد في حقهما , وإن كان مشروعا في حق المرأة , فإما أن يكون مشروعا في حقها وحدها أو مع ذي محرم , والأول غير جائز للنص والمعقول , أما النص فقوله عليه السلام , لا يحل لامرأة أن تسافر من غير ذي محرم وأما المعقول فالتغريب يخرج المرأة من أيدي الأقارب فيقل حياؤها ويفتح عليها باب الزنا .

7- النفي أو التغريب تعريض للمغرب على الزنا لأنه مادام في بلده يمتنع عن العشائر والمعارف حياء منهم وبالتغريب يزول هذا المعنى فيعرى الداعي عن الموانع فيقدم عليه , والزنا قبيح مما أفضى إليه مثله .

8- ما روى أن شيخا وجد على بطن جارية يحنث بها في خربة فأتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " اجلدوه مائة , فقيل إنه ضعيف عن ذلك , فقال : خذوا عثكالا فيه شمراخ فاضربوه بها وخلوا سبيله " ولو كان النفي واجبا لنفاه .

9- التغريب نظير القتل لقوله تعالى : ( أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ ) فهما بمنزلة واحدة , فإذا لم يشرع القتل في زنا البكر وجب ألا يشرع أيضا نظيره وهو التغريب .

وعموما بعد النظر والدراسة لأقوال الفقهاء في هذه المسألة نجد عقولنا ترجح على تغريب الزاني والزانية بمحرم مدة عام بالإضافة إلى الجلد لقوة الأدلة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء كانت سنة قولية أو فعلية , وكذلك أفعال الخلفاء الراشدين دون نكير.

تغريب المرأة :
إن الذين قالوا بتغريب الرجل اختلفوا في تغريب المرأة , وإن الذين نفوا التغريب نفوه عن المرأة والرجل .
فيتبين مما تقدم أن للفقهاء أقوالا في تغريب المرأة .
القول الأول : لا تغرب المرأة والرجل ويكتفي بجلد الزاني والزانية مائة جلدة لكل منهما , قال بهذا القول الحنفية وفي قول للإمام أحمد بن حنبل إذ نقل عنه لا يجب على الزانية غير الجلد , ومستند هؤلاء هو مستند المانعين من تغريب الرجل وقد سقناها سابقا , ولم أيضا أن التغريب سفر ولا يحل للمرأة أن تسافر وحدها بلا محرم , واحتجوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم "

القول الثاني : تغرب المرأة إذا زنت عاما بالإضافة إلى جلدها مائة جلدة وهذا التغريب لا يكون وحدها بل تكون مع ذي محرم , ومسافته مسافة القصر ونفقة المحرم عليها إن كانت ذا مال وإن لم تكن ذات مال فنفقة المحرم في بيت مال المسلمين , واشتراط المحرم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم " وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا يلون رجل بإمرأة إلا ومعها ذو محرم , ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم " , قال بهذا القول الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل والإمام مالك والأوزاعي.
واحتج هؤلاء بعموم الأحاديث الواردة في عقوبة الزاني والزانية البكرين وهي الجلد والتغريب , فالنصوص في الذكور والإناث الذين يرتكبون جريمة الزنا , قال بهذا القول الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل والإمام مالك والأوزاعي.

القول الثالث : تنفى الزانية بغير محرم إذا لم تجد محرما يسافر معها ويقيم معها ولا امرأة ثقة تستأجرها وهذا هو المعتمد في مذهب الإمام أحمد , وجزم به صاحب الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة وغيرهم وقدمه في المغني , والشرح , والرعايتين والحاوي الصغير , ومستند أصحاب هذا القول عموم النصوص التي جاءت عامة ومطلقة من قيد المحرم إذ يجب على المرأة الزانية لبكر الجلد والتغريب .
































الفصل الثالث
عقوبة الزاني المحصن


المبحث الأول : رجم المحصن.

المبحث الثاني : عقوبة الجلد مع الرجم.

المطلب الأول : في منع الجلد مع الرجم.

المطلب الثاني : في اجتماع الجلد مع الرجم.

المطلب الثالث : في جلد الشيخ ورجمه دون الشاب.






















رجم المحصن :
اتفق العلماء والفقهاء قديما وحديثا بأن الزاني المحصن إذا ثبت أنه ارتكب جريمة الزنا مستوفيا شروطها وأركانها دون شبهة قوية تمنع الحد فإن عقوبته الموت رجما بالحجارة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر برجم الزانيين المحصنين , وأخبر أمته بهذا الحكم , وألزمهم به ,
وقد قامت الأدلة على ذلك ومنها :

أمر رسول الله صلى الله علي وسلم برجم ماعز بن مالك الأسلمي رضي الله عنه بعد أن أقر بارتكاب الزنا.

وأمر رسول الله صلى لله عليه وسلم برجم الغامدية رضي الله عنها التي جاءته معترفة بالزنا وأنها حامل , فأمر برجمها بعد أن وضعت جنينها وفطمته .

وكذلك رجم الزانية من جهينة الحامل بعد أن وضعت ما في بطنها .

ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهوديين الذين زنيا في المدينة .

هذا وأنكر الخوارج الرجم لأنه ليس في كتاب الله وحاججهم الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله وقطع حجتهم قال في المغني : } وجاء رسل الخوارج إلى عمر بن عبد العزيز رحمه الله فكان من جملة ما عابوا عليه الرجم , وقالوا ليس في كتاب الله إلا الجلد , وقالوا الحائض أوجبتم عليها قضاء الصوم دون الصلاة والصلاة أوكد فقال لهم عمر : وأنتم لا تأخذون إلا بكتاب الله؟ قالوا : نعم قال فأخبروني عن عدد الصلوات المفروضات وعدد أركانها وركعاتها ومواقيتها , أين تجدون ذلك في كتاب الله تعالى؟ وأخبروني عما تجب الزكاة فيه ومقاديرها ونصابها؟ قالوا :انظرنا , فرجعوا يومهم ذلك , فلم يجدوا شيئا مما سألهم عنه في القرآن , فقالوا : لم نجده في القرآن قال فكيف ذهبتم إليه؟ قالوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله , وفعله المسلمون من بعده , فقال لهم : فكذلك الرجم وقضاء الصوم فإن النبي رجم ورجم خلفاؤه بعده والمسلمون {.

عقوبة الجلد مع الرجم :
لقد اتفق الفقهاء على أن الزاني المحصن يرجم واختلفوا في اجتماع الجلد مائة مع الرجم , وسنعالج هذا خلال هذه النقاط :

في منع الجلد مع الرجم :
ذهب فريق من الفقهاء إلى أن الزاني المحصن يجلد ولا يرجم , قال بهذا القول الحنفية والشافعية والمالكية , والإمام الزهري والنخعي والثوري والأوزاعي فقيه الشام , وفي إحدى الروايتين في مذهب الإمام أحمد , كما ذهب إلى هذا أهل الظاهر كداود وابن حزم.


أدلة أصحاب هذا القول :
واستدل جمهور الفقهاء على مذهبهم القائل لا يجلد الزاني المحصن بل يرجم فقط بالأدلة التالية:
1- لقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعز بن مالك ولم يجلده , قال الإمام الشافعي : قصة ماعز نسخت الجلد وأبقت الرجم وكانت بعد حديث خذوا عني الثيب بالثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة.

2- رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغامدية ولم يجلدها.

3- رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهوديين اللذين زنيا ولم يجلدهما.

4- وعن عمران بن حصين أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا فقالت : يا نبي الله أصبت حدا فأقمه علي , فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وليها فقال : " أحسن إليها , فإذا وضعت فأتني بها , فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها , ثم أمر بها فرجمت , ثم صلى عليها , فقال عمر : تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت فقال :
لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى " فالرسول صلى الله عليه وسلم كما ترى رجمها فقط ولم يجلدها قبل الرجم .

الجمع بين الجلد والرجم :
قال بجمع الجلد مع الرجم الإمام أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه , فذهب إلى أن الزاني المحصن يجلد أولا ثم يرجم.
ولصاحب هذا القول الأدلة التالية :
1- قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني قد جعل الله سبيلا , الثيب بالثيب , الثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة ".

2- عن مجالد بن عامر قال : { حملت وكان زوجها غائبا فانطلق بها مولاها إلى علي فقال لها علي : لعل زوجك جاءك أو لعل أحدا استكرهك على نفسك؟ قالت : لا وأقرت بالزنا , فجلدها علي رضي الله عنه يوم الخميس وأنا شاهده ورجمها يوم الجمعة وأنا شاهده }.
قال في مختصر بلوغ الأماني : أخرجه البخاري والنسائي والدارقطني.
وروى أبو داود في سننه عن جابر بن عبد الله أن رجلا زنا فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم الحد فجلد ثم أقر أنه محصن فأمر الرسول برجمه.
في جلد الشيخ ورجمه دون الشاب :
ويجلد الزاني ثم يرجم إذا كان شيخا أو شيخه ويرجم الزاني المحصن إذا كان شابا نقل هذا لقول ابن المنذر وابن حزم عن أبيّ بن كعب وذكره ابن حجر في الفتح .
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1- أخرج ابن أبي شيبة عن أبيّ كعب البكران يجلدان وينفيان والثيـّبان يجلدان ويرجمان.

2- وأخرج عبد الرازق عن الثوري عن الأعمش عن مسروق البكران يجلدان وينفيان والثيبان يرجمان ولا يجلدان والشيخان يجلدان ثم يرجمان .

قال ابن حجر : ورجاله رجال الصحيح .
























الفصل الرابع
إثبات جريمة الزنا


المبحث الأول : الإقرار.

المطلب الأول : الإقرار وشروطه.

المطلب الثاني : نصاب الإقرار.

المطلب الثالث : الرجوع عن الإقرار.

المبحث الثاني : الحكم بشهادة أربع شهود.

المبحث الثالث : في حمل المرأة من غير زوج وأقوال الفقهاء في ذلك.

المبحث الرابع : في الحكم بعلم القاضي وأقوال الفقهاء في ذلك.

















الحكم بإقرار الزاني على نفسه :
تثبت جريمة الزنا بإقرار الزاني على نفسه بأنه ارتكب جريمة الزنا الموجبة للحد , وهي الجلد للبكر والرجم للمتزوج .

شروط الإقرار:
ويشترط في الإقرار ما يلي:
1- أن يكون الإقرار صحيحا وذلك بأن يصرح المقر أنه أدخل فرجه في فرج المرأة ؛ لأن لفظ الزنا مشترك يطلق على الذي يوجب الحد , ويطلق على الذي لا يوجب الحد , فيطلق الزنا على زنا الفرج بالإيلاج وهذا الذي يستوجب الحد كما يطلق على زنا النظر وزنا الفم وزنا اليد و المفاخذة , وهذه لا تستوجب الحد من رجم وجلد.
والمطلوب من القاضي أو الحاكم أن يتحقق من توافر شروط الجريمة المستوجبة للحد بالسؤال عن ماهية الجريمة وعن أهلية الجاني.
وأما الإقرار بحد مبهم لم يسم لا يحد عليه وتكفره الصلاة , فقد جاء رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال :" إني أصبت حدا فأقمه علي ولم يسأله , وحضرت الصلاة فصلى مع النبي , فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم , قام إليه الرجل فقال : إني أصبت حدا فأقم فيّ كتاب الله قال : أليس قد صليت معنا؟ قال نعم , قال : فإن الله قد غفر لك ذنبك أو حدك " أخرجه مسلم وغيره , مع مراعاة أن يستمر على إقراره حتى إقامة الحد عليه , فلو رجع عن إقراره بعد ذلك أو أثناء إقامة الحد فلا يقام عليه الحد .

2- أن يكون المقر بالغا عاقلا : فلو كان صغيرا أو مجنونا فلا يقام عليه الحد , لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " رفع القلم عن ثلاثة , عن الصغير حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق".

3- أن يكون المقر مختارا : فإن كان مكرها على الزنا فلا يقام عليه الحد عند جمهور الفقهاء , وعند آخرين يقام عليه الحد , لأن الإكراه في الزنا غير متصورا , إنما يكون الزنا عن رغبة وانتشار وشهوة , والقول بوجوب حد المكره لأبي حنيفة رحمه الله وحجة الذين رأوا الإكراه عموم قوله صلى الله عليه وسلم " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " , فقال السيوطي في الجامع الصغير : } صحيح وخالفه غيره , وعن عبد الله ابن وائل عن أبيه أن امرأة استكرهت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد عنها الحد , والإكراه على الزنا أقل ما يقال فيه أنه شبهة والحد يدرأ بالشبهة وهو متجه {.

4- أن يكون المقر مما يتصور منه الزنا : فإذا كان مما لا يتصور منه الزنا كالمجبوب , فلا يقام عليه الحد وإن جاء معترفا بذلك , وكذلك المرأة الرتقاء والقرناء فإنه يتعذر وطؤها لانسداد فرجها وعدم الإيلاج .
فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن يقتل رجلا فدخل عليه فوجده يغتسل ووجده مجبوبا فتركه وأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك .

5- أن يكون المقر عالما بتحريم الزنا لا بعقوبة الزنا : فإذا لم يكن عالما بحرمة الزنا فلا يقام عليه الحد لأن الجهل بالحكم عذر لجاهله , ولا يشترط أن يكون عالما بالعقوبة وهي الحد , كمن يعيش في بادية بعيدة وحديث عهد بالإسلام أو قريب عهد بكفر , فقد كان ماعز بن مالك رضي الله عنه يعلم حرمة الزنا لكنه لم يعلم بعقوبة الزنا وهي الرجم , بل قيل له لن يقتله الرسول مع هذا أمر الرسول برجمه .
قال بهذا عامة أهل العلم , وفي مقدمتهم , عمر بن الخطاب , وعثمان بن عفان , وعلي بن أبي طالب , فقد كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا قال معترفا بالزنا : زنيت البارحة , ما علمت أن الله حرمه , فأجاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إن كان علم أن الله حرم الزنا فحدوه , وإن لم يكن يعلم فأعلموه , فإن عاد فارجموه.

6- أن يكون الإقرار نصابا , أي أن يتكرر الإقرار من المقر أربع مرات : وهذا مختلف فيه عند الفقهاء فمن الفقهاء من رأى ذلك كالحنفية وغيرهم , ومنهم من رأى الإقرار مرة واحدة كالشافعية وغيرهم .

نصاب الإقرار :
هو الاعتراف من الزاني أنه ارتكب جريمة الزنا التي تستوجب الحد , وقد ذهب الفقهاء إلى الأقوال التالية :

القول الأول : لا يثبت الإقرار إلا إذا كرر المقر إقراره أربع مرات بالزنا ولا يكتفي بإقرار واحد , ولو أقر بإقرار واحد لا يحد : إذ لا يثبت الحد , قال بهذا القول الإمام أبو حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى والإمام أحمد بن حنبل.

مستند هذا القول :
1- حديث ماعز صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما اعترف ماعز في المرة الأولى أعرض عنه , ولو كان الاعتراف في المرة الأولى يوجب الحد لرجمه , ولكنه لم يفعل , بل استمع له حتى اعترف أربع مرات .

2- جاء في حديث ماعز قول الرسول صلى الله عليه وسلم إنك شهدت على نفسك أربع مرات , ولو كان الواحد مثل الأربع في إيجاب الحد كان هذا القول لغوا .

3- روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لماعز بعدما أقر ثلاث مرات : لو أقررت الرابعة لرجمك رسول الله .


4- عن بريدة الأسلمي قال : كنا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نقول : لو لم يقر ماعز في الزنا أربع مرات ما رجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

5- قياس الإقرار على الشهادة فكما أن حد الزنا لا يثبت بالشهادة إلا بأربعة شهود وكذلك الإقرار ينبغي أن يثبت بأربعة أقارير , والعلة السعي في كتمان هذه الفاحشة .

القول الثاني : الاعتراف مره واحده يثبت الحد ويوجب العقوبة , قال بهذا القول الإمام الشافعي والإمام مالك , وبهذا القول قال داود أبو ثور والطبري وجماعة .
ما استدل به أصحاب هذا القول:
1- قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأنيس : واغد يا أنيس إلى امرأة هذا , فإن اعترفت فارجمها , فاعترفت فرجمها .
وهذا يدل على أن المطلوب إقرارها بالزنا مرة واحدة , فأقرت مرة واحدة فرجمها , ولم يطلب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتكرر إقرارها أربع مرات حتى يقيم عليها الحد , وكذلك إقرار العسيف كان مرة واحدة .

2- وحادثة الغامدية التي جاءت تعترف بالزنا فرجمها بعد أن وضعت وفطمت ولدها ولم يشترط أربعة أقارير منها حتى يقيم عليها الحد .

3- وحادثة الجهنية التي جاءت معترفة بزناها , وأنها حامل , فلم يطلب منها الرسول صلى الله عليه وسلم أربعة أقارير , بل حكم برجمها بعد أن تضع , وكان كذلك .

4- واستدلوا أيضا بحديث ماعز لما جاء معترفا بالزنا , وطلب من الرسول أن يطهره لم يشترط عليه أن يقر أربع مرات .

5- لو كان شرطا لما وقع من رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافه , فقد حكم بالإقرار مرة واحدة .

الرجوع عن الإقرار :
حالات الرجوع عن الإقرار إما أن تكون قبل الحكم , وإما أن تكون أثناء تنفيذ الحكم على النحو التالي :
الحالة الأولى :
وهي الرجوع عن الإقرار بالزنا قبل الحكم : وهذه الحالة تكون عندما يأتي الزاني مقرا بالزنا لمرة واحدة والمطلوب أن يكرر اعترافه أربع مرات عند فريق من الفقهاء حتى يحكم عليه بعقوبة الزنا , فإذا اعترف مرة واحده ثم تراجع فلا يحكم عليه قال ابن القيم تعقيبا على حديث ماعز والغامدية , تضمنت هذه القضية رجم الثيب وأنه لا يرجم حتى يقر أربع مرات وأنه إذا أقر دون الأربع , لم يلزم بتكميل النصاب , بل للإمام أن يعرض عنه , ويعرض له بعد تكميل الإقرار , وقد استنبط رحمه الله هذا من إعراض الرسول صلى الله عليه وسلم عن ماعز حينما جاء معترفا في المرة الأولى وفي الثانية وفي الثالثة .
وجمهور الفقهاء على أنه إذا تراجع قبل الحكم عن إقراره لا يحد بعقوبة الزنا سواء كانت الجلد أو الرجم .
بل ذهب الفقهاء إلا استحباب إلا يذهب الزاني إلى الحاكم ويعترف , بل استحبوا له أن يتوب إلى الله ويستغفر الله فيتوب الله عليه .
لئن جاز سقوط الحد بالرجوع عن الإقرار أثناء إقامة الحد فلن يجوز قبله أولى.
الأدلة:
ويستدل هؤلاء بأن رجلا أقر عند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالزنا , ثم رجع عنه فتركه وقال : لأن أترك حدا بالشبهة , أولى من أن قيم حدا بالشبهة , ووافق أبو بكر رضي الله عنه على مثل هذا , وليس لهما في الصحابة مخالف.

الحالة الثانية :
وهي الرجوع عن الإقرار بعد الحكم وأثناء التنفيذ .
للفقهاء في هذه الحالة قولان :
القول الأول: يسقط الحد ولا تقام العقوبة إذا تراجع المقر عن إقراره بعد الحكم وأثناء التنفيذ.
قال بهذا القول الإمام الشافعي والإمام أحمد وأبو حنيفة وفي رواية عن الإمام مالك والرجوع عنه يكون بالكلام كأن يكذب نفسه وينفي أنه زنا , وقد يكون بالهرب أثناء إقامة الحد , أو بأي صورة أخرى تدل على الرجوع.
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ادرأوا الحدود بالشبهات" ورجوع المقر عن إقراره شبهة , لاحتمال صدقه في الرجوع عن الإنكار , ويحتمل أن يكون كاذبا فيه , فإن كان صادقا في الإنكار كان كاذبا في الإقرار وإن كان كاذبا في الإنكار كان صادقا في الإقرار فورث شبهة في ظهور الحد والحدود لا تستوفى عند الشبهة .

2- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن تبع ماعز بن مالك الأسلمي رضي الله عنه الذي جاء معترفا بالزنا وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمه . فهرب فتبعوه حتى قتلوه :"هلا تركتموه , لعله أن يتوب فيتوب الله عليه" .
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه , ي
10
35K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

**فراشة المملكة**
ربي يجزاكـ الف خير ..

ويجعلكـ قرة لعين والديكـ ..

و ادخلكـ الله الفردوس الاعلىـ ..

واسعدكـ و وفقكـ في الدرارين..

لا اله الا الله..
حبيبة زوجها2009
ربي يجزاكـ الف خير ..

ويجعلكـ قرة لعين والديكـ ..

و ادخلكـ الله الفردوس الاعلىـ ..

واسعدكـ و وفقكـ في الدرارين..

لا اله الا الله
شفته بفرح
شفته بفرح
يجزاااااك الله خير
ان شاء الله في ميزان حسناتك
ماشاء الله الموضوع طويل
ان شاء الله لي عودة لاكمال قراءته
girl avatar
girl avatar
شكرا أم مجاهد >> وهذا يشرفني :)
*هبة
*هبة